Sunday, June 5, 2016

يزعم نيتشه ان السبيل الوحيد لخلق الـ"مجتمع السعيد" على أرض الواقع 
هو ان يبلغ الانسان ذورة الكمال في التفوق, اي يصبح إله او شبيه بالآله "superman" 
ومرد الارادة القوية لمثل هذا المخلوق الذي بشر به فيلسوف العدمية الأول
هو هدم الدين وكل القيم الاخلاقية القديمة بمطرقته المعرفية والفلسفية حسب منظوره .

لا يكون السؤال بالاستفسار عن مسببات خلق مثل هذه الارادة الجبارة بدءاً كما ارى
بل بالبحث عن مواطن الضعف في الانسان وتفكيكها واذابتها من اعماق النفس البشرية
يركز افلاطون على هذه النقطة في كتابه الذي اقرأ فيه منذ فترة , عن ان روح الانسان 
يجب ان تتحرر من كل الشوائب و النقائص البشرية ان كانت تنشد الطهر الخالص
عندما ترحل للعالم الأدنى ذلك لأن كل ألم وكل سعادة هي كالمسمار الذي يسمر الروح بالجسد .

وفي محضر بحثي هذا تسائلت عن ماهية ما يخشاه الانسان وما هي طبيعته ؟
ما الشيء الذي يعجز عن التخلي عنه ؟ او يرى فيه منتهى السعادة ؟
روحه اولاً , والداه , اولاده , ماله , ثرواته , شهوات جسده ولذائذه 
ماذا لو جاءت (فكرة ما) وخلصته منها , لكن بشكل عاقل ذو مرجعية اخلاقية ثابتة
تكفل للوجود وما بعده معنى بدل العبثية والعدمية ؟

هل المسلم هو الانسان السوبرمان الذي مات دونه نيتشه ؟
لا ادري لماذا يدور في خلدي هذا السؤال منذ فترة طويلة
ربما لأن الأسلام ( فكرة ) لها آله مخفي , غير مجسد بهيكل آدمي له ملامح 
يرهق عباده بالتكبر والاستمتاع بخضوعهم وانكسارهم بين يديه
فيصبح الانسان كأنما هو عبد لذاته , آله للأله في وجدانه

وربما لأن الاسلام ( فكرة ) فيها ثبوت المرجعية الاخلاقية ووضوح ركائزها
في موازنة دنيوية آخروية تبعث في النفس الطمأنينة وثبوت المسعى 
سواء كانت تصب في الوهم المطلق او الحقيقة المطلقة. 

الاسلام ( فكرة ) تبيح للانسان التضحية من اجلها بنفسه وأهله وماله وثرواته 
والتخلي عن شهواته ومتع الدنيا - في حال تقاطعت معها 
ماذا لديك كي تستعبد انسان ان لم تجد شيئاً يثير حسرته عليه ؟
او التلويح بحرمانه من ملذاته ؟ هل تملك اداة تثير بها فزعه ؟
لا شيء سوى مخافة ان تنال (فكرته) شائبة وهي ما يرخص من أجلها الغالي والنفيس
أليس هذا شكلٌ من اشكال الكمال ؟


بالعادة العوام من الناس وحتى المثقفين منهم يعتبرون هذه السياسة غلظة وبشاعة منافية للانسانية
فلا شيء يبرر للولد (مثلا) قتل والده وان كان الأب في معسكر معادي للاسلام
لكن محبة الوالد شائبة دنيوية تبعث في النفس الضعف , محبة المال والشهوات نقيصة 
لا تحرر الروح من قيودها (كما اسلفت على لسان افلاطون) بحثا عن الطهر في العدم او الوعد المنتظر
ولعل في ذلك كل القوة والأرادة العظيمة خلاف الانسانية التي فيها كل الضعف وهزالة الارادة . 

No comments:

Post a Comment